المشاركة الأصلية بواسطة بيت الله
قال الشيخ محمد صنقور : الإماميَّة لا نقولُ بصحَّةِ جميعِ ما ورَد في كتاب نهج البلاغة، ذلك لأنَّ كتابَ نهج البلاغة عبارة عن مجموعةٍ من الخُطب والرسائل والحِكَم المنسوبة لأمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (ع) جمَعَها السيِّدُ الشريفُ الرضيُّ رحمه الله مِن مجموعة من المصادر.
وعليه لا بدّ في مقام الاحتجاج بأيِّ خطبةٍ أو رسالة من مراجعةِ مصدرِها فإنْ كان مُعتبراً صحَّ الاحتجاجُ بها وإلا لم يكن الاحتجاجُ بها تامًّا، ولهذا فالروايةُ المذكورة وإن كانت واردةً في نهج البلاغة إلا أنَّها غير معتبرةٍ نظرًا لضعفِ مصدرها ، إذ أنَّ الشّريف الرّضيّ رفعها إلى عليّ (ع) دون أنْ يذكر لها مصدراً وكذلك نقلَها ابنُ شهر آشوب في مناقبِ آل أبي طالب دون أن يذكرَ مصدرَه لها "(2) ولم أجد هذه الرواية في مصدرٍ آخر من مصادرِنا، فالمرجَّح أنَّ كلاً من السيِّدِ الشريف وابنِ شهراشوب قد أخذا الروايةَ المذكورة من غير مصادرنا ، وبعد التتبُّع تبيَّن أنَّ مصدر الخطبة المذكورة هو سيفُ بن عمر الضبَّي حيث أوردَها في كتابه (الفتنة ووقعة الجمل) وهذا الرجل في غايةِ الضعفِ عند علماء الجرحِ والتعديلِ من أهل السُنَّة، فقد ذكره النسائي في كتاب الضعفاء والمتروكين وقال: "سيفُ بن عمر الضبِّي ضعيفٌ"(3)، وذكرَه العقيلي في كتابه ضعفاء العقيلي وقال: "حدَّثنا محمد بن عيسى قال : حدثنا العبَّاس بن محمد قال: سمعتُ عيسى يقول: سيفُ بن عمر الضبِّي يُحدِّث عن البخاري هو ضعيف.."(4).
وذكر الرازي في كتابه الجرح والتعديل: "..عن ابن معين أنَّه قال: سيف بن عمر الضبِّي الذي يُحدِّث عنه المحاربي ضعيفٌ الحديث. حدَّثنا عبدُ الرحمن قال: سُئل أبي عن سيفِ بن عمر الضبِّي قال: متروكُ الحديث.."(5).
وذكر ابن حبَّان في كتاب المجروحين قال: "سيفُ بن عمر الضبِّي الأسيدي من أهل البصرة اتُّهم بالزندقة ، يروي عن عبيد الله بن عمر، روى عنه المحاربي كان أصلُه من الكوفة يروي الموضوعاتِ عن الأثبات، حدَّثنا محمَّدُ بن عبد الله بن عبد السلام ببيرون سمعتُ جعفر بن أبَان يقول : سمعتُ ابن نُمير يقول : سيف الضبِّي تميميٌّ، وكان جميع يقول: "حدَّثني رجلٌ من بني تميم، وكان سيف يضعُ الحديث، وقد اتُّهم بالزندقة"(6).
فإذا كان هذا هو حال مَن أورد الرواية فكيف يصحُّ اعتمادها والاحتجاج بها؟!
هذا وقد أورد الروايةَ الطبريُّ في تاريخه إلا أنَّه اعتمد في نقلِها على سيف بن عمر الضبِّي ، وأمَّا ابنُ الأثير في الكامل فلم يذكر سندًا للرواية ولعلَّه اعتمد على الطبريِّ كما هو الغالب.
وعليه فالرواية ساقطةٌ عن الاعتبار والحجيَّة حتى بناءً على مباني علماءِ السُنَّة.
________
2- مناقب آل أبي طالب -ابن شهر آشوب- ج 1 ص 378.
3- كتاب الضعفاء والمتروكين -النسائي- ص 187.
4- ضعفاء العقيلي -العقيلي- ج 2 ص 175.
5- الجرح والتعديل -الرازي- ج 4 ص 278.
6- كتاب المجروحين -ابن حبان- ج 1 ص 345
تعليق